حكاية لاعب.,

---

بسم الله الرحمن الرحيمـ ..

أيها السادة .. فالتصمت الأفواه
اليوم .. وليتوقف عن الكتابة من يسرق الكلمات والأسلوب ..
وليعمّ الهدوء ..
فالكاتب أنا .. والمكتوب عنه هو .. أليساندرو
ديلبييرو .. !!
. . .

بأي كلمات يا سيدي أصفك .. وبأي
عبارات سأمدحك .. !؟
تكلم الكثيرون .. وآثرت الصمت ..
وقفز الجمع .. وآثرت
أنا الجلوس ..
فما حققت .. جعل العقل والفؤاد يتخدّر ..
وجعل مخارج الكلمات
من أماكنها .. تندثر وتتبخر .. !
كحبات المطر عندما تهطل فوق صخرة صحراوية ..

وكبريق النجم في قلب السماء ..
وكقصيدة حب .. قيلت غزلا في حورية ..

وكتحليق النسر فوق الجبال الشاهقة الصماء ..
كذلك كان .. ويكون .. أليساندرو
ديلبييرو ..

القصة بدأت منذ أخذت على نفسي العهد .. بدراسة وقراءة كل ما
يتعلق باليوفنتوس ..
من تاريخ .. واحصاءات .. وأرقام .. وجداول ومباريات ..

كانت قصة الهداف الأسطوري .. وأكثر من لعب لليوفي .. وغيرها من الأرقام
التاريخية ..
تشكّل لي منظرا خلابا .. لا أستطيع أن أحرم نفسي منه ..
وكان
ارتباط اسم بونيبيرتي بلقب الهداف الأسطوري .. كارتباط الطفل بأمه ..
تظن أن لن
يفرقهما الا الموت .. !
كان التاريخ يذكر ملاحم كثيرة ..
وربما اذا ما جاء
ذكر اسم اليكس الصغير ..
كان يتبادر الى الأذهان احيانا .. أنه قادم قادم
..
راقبت المنظر من بعيد .. ومنذ نعومة أظافر ابن مدينة تريفيزو ...
كان
هنالك شيء يلمع في الذاكرة ..
وكأن القدر يقول ..
أليساندرو هو القادم ..

أليساندرو هو من سيخلو له المكان ..
فتكون الكلمة له ..
ويكون سيد
الزمان .. !
كلكم أدرك مسيرته .. وكثر منكم كتبوا وقرأوا عنه ..
منذ هدفه
الأول يوم 19/9/1993 في مرمى ريجيانا ..
مرورا بالقبلة الذهبية يوم 10/1/2006 في
مرمى الفيولا ..
وليس انتهاء .. بمعزوفة ما زالت تطرب الأذن حتى يومنا هذا ..


اااه يا أليكس كيف تمضي الأيام والسنون ..
وكيف أن القلم يخجل أحيانا
من الكتابة خشية أن لا يصيب في الوصف والمدح ..
عندما بدأت الكتابة صبيحة هذا
اليوم ..
كانت الذاكرة تعجّ بالكثير من الكلام والذكريات ..
ظهرت كأوراق
ملاحظات صغيرة ..
علقت كل واحدة منها بدبوس صغير ..
على حائط عقلي وقلبي
وتاريخي الكروي ..
عموما ..
ليأذن لي الجمع ممن ضم مجلسنا .. بأن أمتشق
قلمي ..
وبأن أكتب بضع كلمات .. في مواقف وذكريات ..
مررت بها انا شخصيا مع
اليكس اليوفنتوس ..
فتكونت الذكريات ..
وكانت فيما يلي ..
تلك الورقات
..
. . .
الورقة الأولى ..


البعض عاشها .. والكل يعرفها ..
ورقتي الأولى كانت في
رحاب الوافد الجديد من بادوفا ..
والذي جاء ليكون جنبا الى جنب مع أحد أباطرة
اللعبة وأحد ملهميها ..
فكانت المعادلة تحمل الاسمين .. ديلبييرو وباجيو ..

كانت (ومازالت) فترة علتها علامات التعجب والاستفهام ..
قلت لا يمكن أن
يغادر باجيو ليحلّ محله هذا الصغير .. !
ولكن الأحداث وقعت بسرعة .. وغادر باجيو
..
وصرخ الكثيرون .. وصاح المحبّون ..

تأثّرت ..
تعذبت ..
كيف
لهم أن يفعلوها .. !؟
ولكنني عشقا وولاء لليوفنتوس .. قلت ..
هم أدرى بما
يفعلون ..
وبلعت ورقتي الأولى وانا لا أعلم .. !
: : :
الورقة الثانية ..
اليوفنتوس يسير نحو اللقب
الأوروبي الأغلى ..
الشاب الصغير الذي أثار الحفيظة .. يبدع أيما ابداع ..

كاذب من يقول أن اليوفنتوس لا يصنع النجوم .. !
آهاتي كانت تخرج متتالية
كلما داعب الكرة ..
قالوا عنه تدرب على الركلات الحرة منذ صغره ..
قالوا
بأنه كان يسددها نحو "عواميد" الكهرباء .. !
قالوا وقالوا وقالوا ..
ولكني
أنا الذي كنت أنظر صامتا .. مذهولا .. !
أيها السادة ..

عليكم بمباراة
اليوفنتوس ضد الريال مدريد في ذلك الموسم (1995/1996)
وعليكم بمشاهدة الهدف
الأول ..
واذا ما استذكرتم ماذا فعل بهييرو ودفاع الريال في العام 2003 ..


فان الوقوف والتصفيق يصير هنا واجبا .. !
أليساندرو ديلبييرو .. في
الليلة الاولى ..
كانت ورقتك الثانية تكتب بأنك مجد كروي قادم ..
والقادم
مذهل أكثر .. !!
: : :
الورقة
الثالثة ..
هي فترة زمنية تداخلت فيها الأفراح والاحزان ..

وتشابكت كما تتشابك الأيدي اذا ما كانت بين المحبين .. !
كم هو غريب أن يكون
التقاء الفرح والحزن .. عندك يا ديلبييرو .. !!

هدفك في مرمى الريفر بلايت
..
كان قبلة ساخنة طبعتها فوق جبين الطفل منّا .. وفوق يد الكهل الجليل ..
!

بتلك القدم .. وفي تلك الليلة .. صمت الجميع .. وكان الصوت الوحيد ..

صوت شباك طوكيو .. تتلقف الهدف كما تتلقف الأم ابنها العائد من سفر بعيد ..

ليتك تعلم يا ديلببيرو .. وليت للكلمات لسان به تنطق ..
عموما ..
دعنا
من الأقاويل .. ولنواصل مسيرة التذكير ..
السوبر الاوروبية ..

كانت بين
يديك تتألق كـ سجين .. شاهد نور الحرية والتحرير ..
بعد أن "فعلت فعلتك" .. بأهل
"باريس سانت جيرمان" ..
وجعلت شباكهم .. هامدة ..
كقوم .. أصابهم عاصف .. أو
زلزال .. أو تفجير !
..
الوجع والألم مازال يعتصر القلب كلما تذكرت لقاء
دورتموند في نهائي العام 1997
هو القدر .. وقدّر الله ما شاء فعل .. !
يبقى
من ذلك اللقاء صورة واحدة ..
تذكرها انت .. كما أذكرها أنا ..
ذلك الكعب
المحزن ..

الذي لو أتى وحيدا في ذلك اللقاء وتوجنا به .. لما اكتفت النجوم
ولا الكواكب بتحمل الفرح ..
ولكنه كما قلنا .. القدر .. !
..
ذكرت أن
الحزن قد يأتي والفرح سيان ..
وكذلك كانت مباراة الاودونيزي عام 1998 ..


ضربة قصمت الظهر .. ودمعة نزلت في الخفاء ..
وحلم ضاع فوق الوسادات ..

ولكن من يتعلّق بعشق الشيء ..
يؤمن بالكل والفرد .. وكذلك كنت ..
أيقنت
بأن العود أحمد .. وبأن الأيام ستدور وتعود ..
وكذلك كانت هذه الورقة ..

ذهبية في ذكرى انجازاتها .. حزينة في بعض تخللاتها ..
ولكنها تبقى ذكرى
تاريخ طويل بدأ ليكون ..
وهذا ما كان بالفعل ..
: : :
الورقة الرابعة ..
حقبة أخرى معك يا أليكس ..
في
حقيقة الأمر .. كانت عودة مارسيلو ليبي (الثانية) للفريق .. تعطي انطباع الثقة
والراحة ..
وان كانت مغادرة "زيدان" مزقت الفؤاد وأدمت العين حد التقرّح ..
!!
قبلها بأشهر ..
لا زلت أذكر كيف "طار" اللقب في يوم "بيروجيا" المشؤوم ..

ولا زلت أذكر نفسي تصيح .. لا أريد لقبا أوروبيا .. ولا أريد انجازا فرديا ..
ولا أريد الا شيئا واحد ..
لقب الاسكوديتو يأتيني ايطالياً .. خالصا نقيا ..
!!!
موسم 2001/2002 كان رسما سرمديا أخاذا ..
وكانت طريقة عودة اللقب الى
حضن تورينو الدافيء كذلك أخاذة ..
سيبقى لقاء الأودونيزي الأخير .. له طعم خاص
..
وسيبقى يوم 5/5/2002 يوما تاريخيا ..

ريشة الفنان ارتسمت في ذلك
الموسم .. وعلا لون اليوفنتوس فوق كل الألوان ..
قالوا في العالم أجمع .. "بأي
طريقة سار اللقب الى الشمال" .. !؟
قلنا لهم .. بطريقة اليوفنتوس التقليدية ..

فمن أحب شيئا حافظ عليه .. وان فارقه لأشهر أو لأيام قليلة .. !
ورقتي في
تلك الفترة .. ارتسم فوقها خط انجازات أتت متوالية متتالية ..

ولعل لقاء
طرابلس ضد بارما .. كانت "عبرة" أخرى من ديلبييرو لمن لا يعتبر .. !
: :
:
الورقة الخامسة ..
لا أدري ان لاحظتم أني بدأت الكلام عن الهداف التاريخي
.. ثم تجاوزت الأمر الى الكلام العام ..
..
نعم ..
كان ذلك مقصودا ..
لنعيش وندرك أن تلك اللحظات .. والمناسبات ..
كانت كلها مليئة برائحة أليكس ..
ومن كانوا مع أليكس ..
وليكون الكلام عند العودة للأهداف أكثر ادراكا وشمولية
..
كل تلك الفترات .. عشتها وأنا أشاهد ديلبييرو يسجّل .. ويسجّل ..
لا
أدري كيف كان يتابع بونابيرتي المنظر ..

وهو الذي جلب هذا "الفتى"
لليوفنتوس .. !
عموما ..
تسارعت الأيام وتلاحقت ..
تماما كما تزايدت
أهداف ديلبييرو وتكاثرت ..
الى أن جاء الوعد والموعد .. وجاءت لحظة التاريخ ..

كم تمنيت وتمنيت أن أكون ممن يشهدون اعتلاء ملك لمملكته ..
وكم انتظرت تلك
اللحظة التي اعتلى فيها اليساندرو سدة حكمه .. !
كانت لحظة ارتعش فيها البدن ..

وكانت لحظة سرت فيها قشعريرة لا تصفها الكلمات .. !
أيها السادة .. هل
تدركون شعور المرء اذا ما غلت الدماء في عروقه حتى تفور .. !؟
هل تدركون معنى أن
تنظر لنفسك "مخدرة" تقف وتصفق بدون أي شعور .. !؟
تلك لحظة للتاريخ ..
وتلك
ورقة أضمها لصدري .. ولتاريخي الكروي ..
لحظة الدقيقة التاسعة في اللقاء ضد
فيورنتينا هي وسام يرفع فوق كل صدر بيانكونيري ..
ديلبييرو .. هداف اليوفنتوس
التاريخي .. !

لنحسد أنفسنا ..
أننا سنكون ممن يقول لمن بعده من الأجيال
..
"ببساطة .. لقد كنت ممن شاهدوا وتابعوا ديلبيرو في أيام كانت الكرة تحت
قدميه ترقص ..
وكنت كذلك ممن عاشوا ليلة اعتلاءه قمة هدافي النادي الأروع
والأجمل .. اليوفنتوس" .. !!
: : :
الورقة الأخيرة ..
تختلط فيها الأحرف
.. والكلمات !
ما فعلته بـ "مرتزقة الكرة" ..

سيبقى شوكة في حلوقهم أبد
الدهر ..
والرقم "29" .. سيبقى هو الحق ..

شاء من شاء .. وأبى من أبى ..
من "فئران" هذا العصر !
..
كأس العالم .. كانت
اللوحة الأخيرة الناقصة ..
عانقتك ..
وعانقتها ..

فاكتمل آخر حجر من مسلّة البطولات والانجازات
..
وبعدها كان صيف العام 2006 ..
ومؤامرة التزييف والكذب الكبرى ..
هرب
الهاربون .. وبقى الباقون ..
هرب من ظنّوا أن المجد يكون في البقاء أمام كاميرات
الاعلام .. في دوريات الدرجة الاولى ..
ولم يدركوا ..
أن مثلك .. ومن بقي
معك ..
جعلتم الكاميرات وأهلها .. يلاحقونكم في الدرجة الثانية ..
لم يعلموا
.. ان النجومية ومحبة الجماهير لا تشترى ..

ولم يعلموا ..
أن الوفاء
والانتماء .. يبقى أبدا له التقدير والاحترام بين الناس ..
يا سيدي ..
خضت
مع من خاضوا غمار المغامرة ..
وعدت .. أنت أنت ..
كما كنت أنت !
هدافا ..
حتى لدوري الدرجة الثانية ..
ولمّا عدت ..
عدت هدافا لدوري الدرجة الأولى ..
!
عدت للعب بين الكبار .. وأنت كبيرهم ..
عدت .. ليصفّق لك "الاولدترافورد"
..

وجمهور الأسطوري فيرجسون ..
عدت ..
وجعلت " البرنابيو" ..


يقف احتراما وتقديرا لك ..
عدت يا سيدي .. لتجعل الحروف تتزين باسمك ..

ولتجعل الكرة .. ترقص فرحا بفنّك وعزفك !
لما سقط المتخاذلون .. ومرّ بهذا
النادي من مرّ من المارقون ..
بقيت أنت وحدك .. تحتفظ بذلك الرسم المنقوش ..

والحب الأزلي الذي بداخلك مسكون ..
قيل .. لن يجددوا لك ..
وقيل .. أتراه
يرحل ؟
وقيل .. سيبقى ولكن في الأمر شك ..
فكان ردّك ..
كما كان دائما ..

مواصلة العزف على وتر الأهداف ..

ودكّ شباك الخصوم دكّ !
يا سيدي
..
على أعتاب الاعتزال ..
وعلى باب الرحيل ..
أقول لك ..
وقد أصبحت
الكلمات .. تضيع من أمامي وتتعقد ولا تنفك ..

أيها
الراحل يوما ..
نحن هنا ..
نمسح الدمع بمناديل الصبر
..
أيها الراحل يوما ..
أتدري كم ستترك في النفس حزنا وقهر !؟
أيها الراحل
يوما ..
تذكر اذا ركبت مركب النجوم يوما مرتحلا ..
أن النار اذا خبتت في
حنايا الضلوع ..
ستشتعل يوما .. شوقا .. وحبا .. ولهيبا ..
كلما رأت ما
سيحمله الينا قادم الأيام .. وباقي الدهر !
.. ..

تلك هي الحكاية ..
ونهاية الرواية ..
والتي لا أظن أن لها نهاية ..
فما عرفه التاريخ حفظه ..

وما عشقته النفس ألفته ..
وما قدمه ديلبييرو .. سيبقى للأيام وللأجيال من
بعده ..
فما ترسمه ريشة الفنان .. لا تمحيها ممحاة الزمان ..
ولا يبقى من
ذكراها بعد الآباد والأزمان ..
الا لوحة جميلة .. تتخذ لها ركنا هادئا .. بعيدا
عن الأنواء ..
تفتخر أن يكون التوقيع الذي على طرفها السفلي ..
سطرته ريشة
ملك هذا الزمان الكروي ..
.. أليساندرو ديلبييرو ..
!