نعيم تميم الحكيم ــ جدة
(الخنثى الكاذب والصادق والمشكل وغير المشكل)، (الجنس الثالث)، (مثلي الجنس) عبارات نسمعها كثيرا وتتردد على أسماعنا دون أن نعي معانيها أو نفرق بين حالاتها، بل إننا نجهل معاناة أصحابها ونعمم صورة واحدة على الجميع دون وعي بالمشكلة.
ويزداد الأمر تعقيدا عندما يلفظ المجتمع هذه الفئات بجميع أنواعها وتحرم من حقوقها، ويأخذ المريض بجريرة المغير لجنسه. فالخنثى يختلف تماما عن الجنس الثالث ومن ولد بأعضاء مختلطة ليس مثل من سعى لتغيير جنسه، لكن المجتمع لا يفرق بل يعامل الجميع بشكل واحد.
والمعلوم أن الخوض في هذه القضية -مجتمعيا وإعلاميا- من المحذورات لتبقى الصورة ضبابية حيال مصير هذه الفئة في المجتمع، في ظل غياب الدراسات والأبحاث والأرقام والإحصائيات حيال هذه الفئات ومشاكلها في المجتمع.
وتظل الأسئلة مطروحة عن الفرق الحقيقي بين (الخنثى المشكل وغير المشكل) و(الجنس الثالث) من الناحية الطبية والأحكام الشرعية المتعلقة حولهما من ناحية الجنس والزواج وأحكام المواريث، والحكم الشرعي لمن غير جنسه ولمن صحح جنسه، في ظل وجود الجدل الشرعي الطبي حول هذه الفئات؛ فمنهم من يصنفهم إلى قسمين؛ قسم خلق بأعضاء جنسية مختلطة وله أنواع وهؤلاء لا ذنب لهم ويتم تصحيح جنسهم، وقسم غير جنسه بإرداته وهولاء مدانون لتغييرهم خلق الله.. أما الفئة الثالثة المختلف حيالها بين بعض الأطباء والشرعيين هي الفئة التي تعاني من اضطراب الهوية الجنسية، فالشرعيون وبعض الأطباء يصنفونهم ضمن قائمة الجنس الثالث، أما بعض أطباء علم النفس فيعتبرونهم فئة مستقلة يجب أن تخضع لتعامل خاص مما يجعل مناقشة هذه القضية ضرورة حتمية بين الجهات ذات العلاقة للخروج برؤية موحدة للتعامل مع هذه الفئات لعدم هضم حقوقهم.
والأسئلة تبقى مشرعة عن طريقة تعامل القضاء والقانون وهيئة الأمر بالمعروف مع هذه الفئات في حال القبض عليها وهل يفرقون بينها؟! ثم كيف يتم التعامل معها من قبل الأحوال المدنية وديوان الخدمة العامة ووزارة التربية والتعليم في الوظائف في حال صحح جنسه فتحول من ذكر إلى أنثى والعكس؟!
وما يزيد الأمر خطورة هو استغلال البعض للبس الحاصل في المصطلحات والحقوق، فيسعون لإجراء عمليات تغيير الجنس المحرمة شرعا وقانونا في مستشفيات خارج المملكة، ثم يأتون بأوراق من هذه المستشفيات تثبت أنهم أجروا عمليات تصحيح جنس المباحة شرعا وقانونا للتحايل على الأنظمة، وهنا مكمن الخطورة لأن ازدياد أعداد هذه الفئة تشكل خطرا على مجتمعنا المسلم المحافظ خصوصا إذا ما طالبوا بحقوقهم!.
ورغم اتخاذ وزارة الصحة خطوة إيجابية قبل شهر تقريبا بإلزام كافة المستشفيات والمراكز الأهلية بعدم إجراء جراحات (تصحيح الجنس) إلا بعد التنسيق مع الوكالة المساعدة للطب العلاجي في الوزارة عن طريق تعميم أرسل إليها على خلفية معاملة متعلقة بامرأة سعودية أردات تغيير جنسها بالتحايل بطلب التصحيح، لكن المشكلة تبقى قائمة من خلال المستشفيات التي تجري هذه الجراحات خارج المملكة دون حسيب أو رقيب.
«عكـاظ» فتحت ملف هذه الفئات بكل أنواعها، مفندة الفرق بينها وبين الأحكام الشرعية المتعلقة بها، ودور الجهات ذات العلاقة للتعامل معها مثل هيئة الأمر بالمعروف والقضاء والقانون وعلماء النفس والاجتماع والخدمة المدنية والأحوال المدنية والتربية والتعليم وحقوق الإنسان، مستعرضة معاناة أحد الشباب، وناقشت هذه المحاور مع جملة من الشرعيين والقضاة والقانونيين والأطباء وعلماء النفس والاجتماع والمختصين والمسؤولين في سياق التحقيق التالي:
فروق شرعية
بداية، بين نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عضو المجامع الفقهية الدكتور عبدالله بن بيه، وجود فرق شرعي بين من ولد بأعضاء مختلطة ممن يطلق عليهم (الخنثى)، ومن سعوا لتغيير جنسهم بأنفسهم ممن يطلق عليهم (الجنس الثالث)، موضحا أن إجراء عمليات التصحيح مباحة شرعا، أما إجراء عمليات التغيير فهي محرمة ومجرمة شرعا وقانونا.
وحول قضية الحقوق وتقسيم المورايث بالنسبة للخنثى، قال بن بيه «هذه القضية عالجها الفقهاء قديما، فمن ظهرت عليه علامات ذكورية؛ مثل نبوت شعر اللحية والعانة ولكن يملك جهازا جنسيا مختلطا فإن المسألة ينظر إليها من الناحية الطبية، فإن غلبت عليها الذكورة فإنه يعامل كذكر وإن غلبت عليه علامات الأنوثة فإنه يعامل كأنثى في الحقوق والمواريث وغيرها، مفيدا أن هذه الفئة لها كافة الحقوق».
الشورى:لم نناقش قضايا تتعلق بهذه الفئة وهذا الأمر غير مطروح حالياًوأكد بن بيه أن الشرع يتعامل مع وجود العلامات المرجحة للذكورة والأنوثة، فإن لم توجد فإنه يرجع لأهل الطب والاختصاص لبيان المسألة، مشددا على أن هذه الحالات يتعامل معها بخصوصية ويفضل فيها الفتوى الجماعية.
وطالب بن بيه بالتشديد على عدم إجراء مثل هذه العمليات قبل التأكد من أنها عملية تصحيح أم تغيير، خصوصا في ظل حالات التحايل، مؤكدا على أن ظهور فئة الجنس الثالث غريبة ومستنكرة في المجتمع المسلم ويجب معرفة أسبابها ووضع الحلول قبل تفاقمها والتأكيد على دور العلماء والفقهاء والطباء ووسائل الإعلام بالتوعية والعلاج.
حقوق مباحة
ووافق عضو هيئة كبار العلماء الدكتور يعقوب الباحسين رأي إبن بيه في أن مسألة معرفة الأحكام بفئة (الخنثى) تكون بناء على غلبة الصفات الذكورية والأنثوية، فإن رجحت صفة على أخرى فإنه يعطى حقوق الصفات الراجحة لديه، وأكد الباحسين على أن القضية تخضع لضوابط ومقاييس وتحتاج لرأي العلماء والأطباء وأصحاب الدراية قبل إطلاق الأحكام.
وأجمعت الآراء الفقهية الحديثة التي تمثلها المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة في المملكة والأزهر الشريف في مصر، على رأي واحد، وهو أن هناك نوعين لا ثالث لهذه الفئة.
الجنس الثالث
كلام الشرعيين صادق عليه الأطباء والمختصون بوجود فئتين بل ذهبوا إلى أنه لا يوجد ما يسمى بالجنس الثالث من الناحية الطبية، وهو ما أكد عليه مدير مركز أخلاقيات الطب والخبير في المجامع الفقهية الدكتور محمد علي البار الذي شدد على هذه المسألة، مبينا أن حالات الخنثى الحقيقية شديد الندرة وذلك بوجود التباس بين الذكر والأنثى بسبب أمراض أو أمور حصلت أثناء الحمل أو أدوية أو مرض وراثي مثل زواج الأقارب، ويمكن أن تجرى لها عمليات تصحيح جنس بكل سهولة»، موضحا أن عملية التصحيح تعتمد على نوعين من الركائز الأساسية والثانوية، مبينا أن الركائز أو المحددات الأساسية وهي الكروموزومات والغدد الجنسية، فالشخص يكون ذكرا إذا كان يحمل كروموزوم XY ولديه خصيتان ويكون أنثى إذا كانت كروموزومات XX ولديه مبيضان أما إذا حدث خلل في الكروموزومات أو الغدد الجنسية كوجود أنسجة مبيض وخصية في نفس الشخص فعندها يلجأ إلى المحددات والركائز الثانوية وتشمل الأجهزة التناسلية الخارجية والداخلية والقدرة على ممارسة العلاقة الحميمة ومستقبل الإنجاب ورغبة الشخص ومشاعره نحو الذكورة والأنوثة ورغبة الوالدين (في حالة الأطفال) وعمر الشخص عند تشخيص الحالة».
أقسام الخنثى
وبين البار أن (الخنثى) ينقسم إلى قسمين؛ خنثى كاذبة وخنثى حقيقية، مبينا أن الكاذبة هي التي تكون في ظاهرها ذكرا وفي باطنها أثنى أو العكس، مشيرا إلى أن تصحيح هذه الحالة يكون بتثبيت الجنس الحقيقي له بناء على الباطن وليس الظاهر، مشيرا إلى أكثر حالات انتشار من هذا النوع تصل إلى 98 في المائة.
وخلص البار إلى أن الخنثى بشكل عام يصحح إلى جنسه الحقيقي أو إلى الجنس الأقرب لجنسه، ولا يجوز التغيير للجنس المغاير كما يحدث في حالات فقدان الهوية الجنسية التي لا علاقة لها بالاضطرابات الجسدية من جراحات لا يبيحها الشرع؛ لأنها تغير في الحقوق والواجبات على المسلم.
النفسيون: لسنا بحاجة لقانون خاص للتعامل معهم ونحاكم الجنس الثالث وفق الشريعةوفند البار الفرق بين الخنثى المشكل واللامشكل، مشيرا إلى أن المشكل هو الخنثى الصادق والكاذب، بينما اللامشكل هم من يعانون اضطرابا نفسيا، موضحا أن الفئة تعاني من مرض نفسي فهم قد خلقوا ذكورا وليس عندهم أي اضطراب عضوي، مشيرا إلى أن هذه الحالات تخضع لعلاج نفسي، مبينا أنه في أوروبا يخضع مثل هؤلاء لعلاج نفسي، فإن لم يستجيبوا فإنه يتم تحويل الذكر إلى أنثى والعكس ظاهريا وبإعطائهم بعض الهرمونات، مفيدا أن الذكر عندما يتحول لأنثى فإنه لن يحمل لأن التغيير ظاهري، وكذلك الأنثى عندما تتحول لذكر فإنه لن تستطيع ممارسة مهام الذكورة، مشددا على أن هذه العمليات محرمة ومجرمة شرعا وأجمع الفقهاء على تحريمها وهو نوع من المسخ، ولفت البار إلى أن حالات الخنثى بجميع أنواعها ليس جديدة ولها حالات في التاريخ الإسلامي وفي كافة العهود.
مركز التصحيح
واتفق مدير مركز تحديد وتصحيح الجنس في مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور ياسر جمال مع رأي البار في أن هناك حالتين لا ثالث لهما، رافضا اعتبار مضطربي الهوية الجنسية بالفئة الثالثة، مشيرا إلى أنهم يدخلون مع فئة الجنس الثالث. وأفاد د. جمال أن مركز تحديد وتصحيح الجنس هو المركز الوحيد في المملكة الذي يقوم بعلميات التصحيح والذي تأسس قبل 27 عاما أجري خلالها 425 عملية، ولفت جمال إلى أن عمليات تصحيح الجنس لا ترتبط بسن معين فأكبر المرضى الذين أجريت لهم عمليات التصحيح قارب على الـ40 عاما وأصغرهم تم تشخيصه عند الولادة وبدأ عمليات التصحيح في سن ثلاثة شهور، موضحا أن 93 في المائة من الحالات التي تم تصحيحها قد تم تشخيصها عند الولادة وتمت عمليات التصحيح في العامين الأولين بعد الولادة أما الـ 7 في المائة الباقون فقد تم تشخيصهم في مرحلة الطفولة المتأخرة أو بعد البلوغ والأكبر سنا، مشيرا إلى أن من تم تصحيح جنسه تم إعطاؤه بعض الهرمونات ليتناسب شكله الخارجي مع جنسه، وأشار إلى أن قدرة الشخص على الإنجاب بعد التغيير متفاوتة، لكنه عاد وأكد أن كثيرا ممن أجريت لهم عمليات التصحيح تزوجوا وأنجبوا.
وزارة الخدمة:نحول الوظيفة من جنس لآخر حسب بطاقة الأحوال والسجل المدني